في عام 2015 ، وبينما كانت المقاومة الجنوبية مدعومة بقوات التحالف العربي وبإسناد عسكري إماراتي على مشارف منطقة الوهط في طريقها لتحرير قاعدة العند الجوية ، سأل قائد القوات الإماراتية ضابطاً جنوبياً كان على رأس قوات المقاومة الجنوبية عن منطقة "كرش" (المنطقة الحدودية بين الجنوب والشمال قبل الوحدة).
يقول هذا الضابط : "فاستغربت من سؤال القائد الإماراتي عن هذه المنطقة بالذات، وحددت له مكانها وسألته عن سبب سؤاله عن هذه المنطقة؛ خصوصاً وأنني أدرك ما تعنيه لنا هذه المنطقة نحن الجنوبيين".
فأجاب الضابط الإماراتي بقوله : " تعليمات القيادة العليا تقضي بأن لا نتجاوز هذه المنطقة".
قال فقلت له: وماذا بعد تحرير "كرش"؟
قال: سنعود ونتجه نحو أبين وشبوة لتحريرهما..
يقول هذا الضابط (الجنوبي) حينها تيقنت أن إخوتنا في التحالف وتحديداً الإماراتيين لا يريدون سوى تحرير المحافظات الجنوبية فقط.
بعد تحرير المحافظات الجنوبية طلب الإخوة الإماراتيون من الرئيس هادي بأن يعين قيادات جنوبية من الموالين للحراك الجنوبي والمقاومة الجنوبية المطالبين باستعادة دولة "الجنوب" (جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية سابقا) في قيادة المحافظات الجنوبية وعملوا على تمكينهم ومساندتهم بقوة أثناء تحريرها من العناصر الإرهابية التي خلفها العدو كقوة بديلة له بعد طرده منها.
ثم قام الإخوة الإماراتيون بتكوين قوات نظامية للأمن والجيش ، وأصبح العدو يرى فيها القوة المانعة التي ستحول دون عودته إلى احتلال الجنوب مستقبلاً ولذلك سعى ومن خلال أدواته المختلفة سواء تلك التي بداخل الشرعية أو خارجها في تصوير هذه القوات للرأي العام المحلي والعالمي باعتبارها قوات مليشياوية وعنصرية وحاول إقناع الشارع الجنوبي بأن تكوين هذه القوات قد تم على أسس مناطقية لفرض سيطرة مناطق جنوبية على أخرى في محاولة منه لتذكية الصراعات الماضية بين أبناء الجنوب إلا أن ذلك لم يجدِ معه نفعا.
لقد كان الإخوة الإماراتيون واضحين كثيراً في توجهاتهم معنا ولسنا بحاجة إلى ما ستفضي به لنا اجتهادات وتأويلات المتخصصين في فن التضليل الإعلامي وفلاسفة العهر السياسي بطلاسمهم الخبيثة ليبيّنوا لنا حقيقة الموقف الإماراتي من قضية الجنوب والتي لطالما تأثر الكثير منا بها.
سابقاً ومنذ 2007 وبالرغم من تدهور أوضاع المعيشة وتردي الخدمات الأساسية في المحافظات الجنوبية أبى الجنوبيون إلا أن يرفعوا شعار استعادة دولتهم وحق تقرير مصيرهم، ولم تكن مطالبهم قط مقتصرة على تحسين أوضاعهم المعيشية أو توفير الخدمات الأساسية التي حرموا منها، بالرغم من محاولات عفاش وأنصار "الوحدة أو الموت" حينها حرف مطالبهم واختزالها في قضايا حقوقية بحتة وتضليل الرأي العام الدولي عن حقيقة المطالب الحقيقية التي خرج أبناء الجنوب للمطالبة بها، ومع ذلك لم يفلح عفاش وأنصار مشروعه (الوحدة أو الموت) في ثني الجنوبيين عن مطالبهم الحقيقية التي خرجوا من أجلها.
لم يرفع الجنوبيون يوماً شعاراً للمطالبة بتحسين رواتبهم أو توفير الخدمات الأساسية لهم رغم حاجتهم الملحة لها آنذاك بل كان شعارهم الوحيد هو استعادة الدولة، ورايتهم الوحيدة هي علم الجنوب.. لقد كانت تلك بمثابة الثوابت الوطنية التي أقسم الجنوبيون بألا يحيدوا عنها.
عندما جاء إخوتنا الإماراتيون لمساندتنا احترموا تلك الثوابت ولم يخلّوا بها وكانوا أكثر وفاءً لها حتى من بعض الجنوبيين وخصوصاً أولئك الذين غُرِر بهم أو أغرتهم العروض المادية للتخلي عنها.
لم يجعل الإخوة الإماراتيون من قضية تردي الخدمات ولا انقطاع المرتبات وغيرها من قضايا المعيشة في المحافظات الجنوبية القضايا الرئيسية التي جاءوا من أجلها تماماً كما فعلنا نحن الجنوبيون من سابق - مع عدم إهمالهم لها بل قدموا لأجلها ما لم تقدمه أي جهة أخرى - وسعوا جاهدين إلى تمكين الجنوبيين على أرضهم (عسكريا وسياسيا) ومازالوا كذلك رغم ما يحمله موقفهم هذا من تناقض واضح مع موقف التحالف بشكل عام وأهدافه التي يقاتل من أجلها وما سببه لهم موقفهم هذا من إحراجات كبيرة أمام أشقائهم وحلفائهم في بعض دول التحالف وغيرها إلا أنهم وبالرغم من كل ذلك مستمرون في دعم وتمكين الجنوبيين على أرضهم.
نعم ؛ لقد تغير الوضع اليوم نسبيا وأصبح الجنوبيون اليوم قاب قوسين أو أدنى من تحقيق هدفهم الذي قدموا من أجله آلاف الشهداء والجرحى واستطاعوا بفضل الله ثم بفضل دعم إخوتهم في التحالف العربي (والإخوة الإماراتيين تحديدا) أن يحرروا (عسكريا على أقل تقدير) أرضهم من القوات التي كانت محتلة لها ولم تتبق إلا مناطق محدودة جدا منها، ومع ذلك ما تزال محاولات الأعداء مستمرة لحرف مطالب الجنوبيين وإبعادهم عن الهدف الرئيسي الذي ناضلوا من أجله سنين عجاف.
وفي حقيقة الواقع استطاعت أساليب الأعداء تلك أن تؤثر على كوكبة كبيرة من الجنوبيين ؛ إذ تمكنوا من إقناع البعض منهم بأن الإخوة الإماراتيين لم يأتوا لنصرتهم ولا من أجل مساندتهم واستعادة دولتهم بقدر ما أتوا من أجل تحقيق مصالح إماراتية بحتة، وكانت حججهم التي يصوّغونها لإقناع العامة بذلك الدجل تتحدث تارة عن عدم قيام الإماراتيين بإصلاح مياه الصرف الصحي التي قاموا بتسديد أنابيبها بالعبايات والجلابيب (والتي غدت إحدى أدوات الحرب لديهم) وتارة بأن المولدات الكهربائية التي قدمها الإماراتيون - والتي قاموا من خلال خلاياهم في قطاع الكهرباء بإعطابها - بأنها متقادمة ومنتهية الصلاحية ولم تعمل على معالجة مشكلة الكهرباء التي كادوا أن يجعلوا منها القضية الرئيسية لدى أبناء الجنوب حتى أصبح لسان حال بعضنا يقول: الكهرباء أولى من استعادة الدولة!.
الحقيقة أن الإخوة الإماراتيين كانوا أكثر منا إدراكاً لمخططات أعدائنا ولذلك لم تثنهم تلك الأصوات ولا الضغوط التي تمارس عليهم واستمروا على نهجهم الذي لم يخل يوم ما بثوابتنا الوطنية الجنوبية.
سيستمر أعداؤنا في محاولاتهم لفض تحالفنا الاستراتيجي كجنوبيين مع أشقائنا الإماراتيين تحديداً والتحالف بشكل عام وستظل بإذن الله مواقفنا ثابتة تجاه إخوتنا في التحالف وسنحطم على صخرة صمودنا وصدق وثبات موقفنا كل مؤامراتهم الدنيئة والبائسة.
مقالات أخرى