استقللنا الحافلة (الباص) المتجهة من المنصورة إلى كريتر، وعندما اقتربنا من الجسر البحري كان هناك حادث سير، فأُغلق الطريق أمام السيارات القادمة إلى المنصورة، فاضطر سائق الحافلة إلى العودة وسلك بنا طريق المملاح.. لا أدري كيف كانت البداية عندما بدأ بعض الركاب التقاذف بالألسن، وبأصوات مرتفعة، شرعوا يتقيؤون السوء والفحشاء من القول على بعضهم البعض، هذا يقول : كل ما نحن فيه سببه هؤلاء الـ (....) ، لا أستطيع نقل القول السوء، ويردف: هؤلاء خائنين وأصحاب فيد.. وعليهم أن يخرجوا من عدن وستصلح الأمور، فينبري آخر بقوله : والله ما خرب البلاد إلا هؤلاء القادمين من (....) ومن (....) والذين جاؤوا ليحكمونا ويتحكمون فينا.
فعمّ الهرج والمرج وتقاذف الركاب الكلمات النابية التي لا ترضي الله ولا رسوله.. هذا يخون هذا وذاك يرد عليه بضعف ما قاله.
وشارك في هذه المعمعة (المهزلة) بعض النسوة، ومع طول الطريق ووعورتها وارتفاع درجة الحرارة ازداد التلاسن وبسخونة، وكنت أنا وقليل معي نهدّي القوم ونذكرهم بقول الله وقول رسول الله دون جدوى، موقف محزن يبعث لدى المرء الغثيان والحزن، وهذا كله من عمل الشيطان، إنه عدو مضل مبين.. إنها دعوى الجاهلية التي تضر بالجميع بين أبناء الوطن ، دعوى تغرس الكراهية والبغضاء بين أبناء الوطن الجنوبي الواحد، ولا تخدم إلا الأعداء المتربصين بنا بعد فشلهم الذريع في اجتياح عدن وبقية محافظات الجنوب.
ولقد قالها فرعون هذه الأمة الهالك ، قال: "إن الجنوبيين لم ولن يجتمعوا على مائدة واحدة وأنهم متفرقون ولن يحققوا أي نتيجة للجنوب، ووعد وتوعد بإفشال قضية فك الارتباط وتحقيق الدولة الجنوبية المستقلة".
أعرفتم – أيها الجنوبيون- من هو المستفيد الحقيقي من اختلافكم وتخوينكم لبعضكم البعض؟!.. إنه بعد أن توحد الجنوبيون وامتزج الشباب والرجال والنساء من كل المناطق ليشكلوا مقاومة جنوبية ضد الغزو الحوثي عفاشي الذي أراد أن يستبيح الأرض ويهتك العرض، ويصادر دين الأمة وحريتها ويقتل الصغير قبل الكبير، فهو لا يفرق بين هذا من أبين أو هذا من الضالع، أو هذا من عدن أو يافع أو غير ذلك فلقد امتزج الشباب من كل المناطق كرجل واحد، ودافعوا ببسالة وشجاعة نادرة وقدموا أرواحهم ودماءهم رخيصة في سبيل الحرية والاستقلال وبناء وطن يتسع للجميع، ناضلوا حتى تحقق الانتصار لهذه المقاومة بإرادة من الله، وبدعم من دول التحالف وفي مقدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
فكيف بنا بعد أن حررنا عدن وغيرها من محافظات الجنوب؟ كيف لنا أن نعود إلى دعوى الجاهلية الأولى التعصب للمناطقية والقبلية والعنصرية ، هذه الدعوات المريضة والتي تكرس مبدأ الكراهية والبغضاء ، خدمة لأعدائنا المراهنين على فشلنا؟!.
يا هؤلاء .. إن الوطن وطن للجميع ولا يمكن إلغاء الآخر وتخوينه لأنه ينتمي إلى منطقة معينة فهذا لا يخدم إلا العدو الذي قتل ودمر وتوعدنا بالويل.. وتعالوا إلى دستورنا الإلهي وتذكروا قول الله تعالى :( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، ورسولنا المصطفى (صلى الله عليه وسلم) يقول :( كلكم من آدم وآدم من تراب، فلا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى). أو كما قال.
اتقوا الله يا هؤلاء، وانبذوا منطق العصبية ومنطق من أين أنت؟.. بل يجب أن نقول للإنسان من أنت؟ وماذا قدمت لوطنك الجنوبي؟..
وكما هو معروف فلعدن خصوصية منذ مئات السنين ، ففيها الناس من كل المناطق والمحافظات نسيج اجتماعي فريد اختصت به عدن دون غيرها من المحافظات والمناطق ، فالساكنون فيها عاشوا من قديم الزمان متحابين ومتعاونين لا محل للكراهية فيها ، حتى في زمن الاستعمار البريطاني الذي انتهج سياسة (فرق تسد) لكن أبناء عدن شكلوا كتلة واحدة بغض النظر عن انتماءاتهم المناطقية.
وتعالوا إلى إحصائية شهداء المقاومة الجنوبية أثناء فترة الكفاح المسلح ضد الاستعمار البريطاني وإحصائية شهداء المقاومة الجنوبية منذ غزو مليشيات الحوثي في حرب صيف 1994م، وتلاها غزو مليشيات الحوثي وجيش عفاش الأخير في العام 2015م.
لنجد أن شهداء المقاومة منتمون من كل المناطق، فهذا من أبين وهذا من الضالع، وهذا من ردفان وهذا من يافع وهذا من عدن، وهذا من شبوة، وهذا من حضرموت، وهذا قباطي وهذا شيباني وحمادي وهذا إبي وهذا حديدي وهذا عدني من أصل هندي وأصل صومالي، وهذا من هنا وهذا من هناك.. فقد قدم هؤلاء أرواحهم ودماؤهم ليتحرر من يعود بنا إلى منطق القبيلة والمناطقية ويأتي من يكرس منطق التخوين والكراهية والبغضاء ؛ إنها ورب الكعبة لدعوى هدامة.
تمكن أعداء الجنوب من النيل من حريته ووحدته وإعاقة بناء دولته المستقلة، فهل حكّمنا عقولنا وأدركنا خطورة مثل هذه الدعوات الهدامة؟!.
مقالات أخرى