عادل ناصر
أحشدوا شعبكم

يقول المفكر عبدالله العروي في لقاء له: إنه بعد وقت طويل من الاطلاع، والاستزادة المعرفية، والتجربة الحياتية، بات مقتنعا أن " ما يحرك الإنسان هو المنفعة، وليس الحق".

ما توصل إليه عبدالله العروي هو تأكيد فقط لما عرفته البشرية من قبل، وما بينه الفلاسفة منذ وقت طويل، فالإنسان كثيرا ما يتنازل عن الحق لصالح المنفعة. فإما الذين يتمسكون بالحق، ويضحون بالمنفعة الفردية- إذا تعارضت الاثنتان – هم فقط الأنبياء، والأحرار من العظماء، والأبطال الذين يستطيعون التضحية بحياتهم دفاعا عن الحق. وما ينطبق على الأفراد، ينطبق بالضرورة على الشعوب وعلى الدول.

حين أقام جمال عبدالناصر دولة الوحدة مع سورية في عام 1958م، لم تستمر دولة الوحدة تلك سوى ثلاث سنوات، وحدث الانفصال في عام 1961م.

كان لدى عبدالناصر مشروع حقيقي، ولكن لا يقبل التحقق في ذلك الوقت فلم يصادفه النجاح. أسباب الانفصال كانت متعددة، إذ يمكن رصد أسبابا دولية، وأسبابا إقليمية بعد التعرف على تلك الحقبة. ولكن الأسباب الداخلية للانفصال كانت هامة جدا ومؤثرة. فقد حدث نوع من "الطغيان" المصري على الإقليم السوري. لا أظن أن عبدالناصر كان يتعمد ذلك، أو يعلم ببعضه، لأنه كان صادقا ومخلصا لمشروعه، ولكن إدارة الإقليم السوري العسكرية كانت سيئة، فوقعت الهيمنة على السوريين في الجيش، وتم التهميش في المجتمع. اشتكت "البرجوازية" السورية من الاستبعاد، وسيطرة "البرجوازية" المصرية على السوق والاقتصاد بالإقليم السوري. فأين المنفعة إذا؟!
تم الانفصال لأن السوريين لم يستفيدوا من الوحدة، بل تضرروا منها.

تماما كما يحدث اليوم ينفصل البريطانيون من الاتحاد الأوروبي لأن الأمة البريطانية أدركت أن الوحدة مع أوروبا خسارة، فلم تتحقق المنفعة. تماما كما انفصلت شعوب في أوروبا الشرقية وبنت دولها، فتحقق لها السلام والتقدم، ولإنجاز ذلك اجتمع لها: الحق، والمنفعة.

أما الجمهورية اليمنية التي أنجزت في عام 1990م، فقد تمت بخبطة عشوائية ألحقت ضررا بالغا بشعب الجنوب، فلم يفد منها في شيء.

أن أي وحدة تتم بين شعبين ودولتين، لا يمكن أن يكتب لها النجاح، إذا لم تحفظ مصالح الشعبين. ولأن مصلحة الشعب الجنوبي لم تحفظ، وبالضرورة لم تتحقق له أي منفعة من الوحدة، سيكون من حقه دفع الضرر عن نفسه بالمطالبة بالاستقلال والتحرر من الهيمنة.

وقد خاض الجنوبيون نضالات جديا في سبيل ذلك، وقدموا التضحيات بعد ان أحاط بهم الضيم.
وفي الاستقلال سيتحقق لهم الاثنان: الحق، والمنفعة.

فالآن، الآن وسعوا حلفكم. الآن، الآن أحشدوا شعبكم. قبل أن يجرفكم السيل، أو ينال منكم المتربصون.
ثم لا تركنوا لكلام يمكن أن يتحقق أو لا يتحقق، وهو: عودة الإمامة إلى الشمال. أي عودة إلى ما قبل ثورة سبتمبر 1962م.

وعودة الجنوب إلى دولة اتحادية. أي عودة ما قبل ثورة أكتوبر 1963م.
انتقاما من الغرب، لتعودوا كما عهدناكم أول مرة. وذلك مشروع يبدو أن التحالف العربي قد أفشله بسبب رفض الحوثيين القبول بالنفوذ العربي بدلا من النفوذ الإيراني.

فلاح اليوم من خلال نافذة "ستوكهولم" ان الغرب قرر إنشاء دولة طائفية عوضا عن الدولة الوطنية على غرار ما جرى في لبنان، والعراق (وذلك يجعل تلك الدولة ضعيفة، متوترة تتنازعها الطوائف التي ترتبط بدول خارجية). وهو ما تؤكده الأحداث المتسارعة.

يقول المتحدث باسم وزارة الخارجية البريطانية "إدوين سموأل" في حوار صحفي نشرته صحيفة "الأيام" 22 ديسمبر 2018م نقلا عن "الشرق الأوسط": "بريطانيا تعرف عمق اليمن من تاريخنا معا، وتعرف التنوع العرقي والطائفي والسياسي أيضا في المجتمع اليمني. وأي سياسي لابد ان يضمن هذا التنوع الموجود في الهوية والمجتمع اليمني".

مقالات أخرى

نضالنا المستحق .. ونضالهم المدفوع .

فضل مبارك

أيهما اولى بالدعم المركز ام المدرسة!

عادل حمران

وهل تعرفون كشوفات الإعاشة التي تصرف من إيرادات شركة صافر.

محمد عبدالله القادري

"عام دراسي جديد وأولادنا بلا تعليم والمعلمين بلا حقوق"

سحر درعان