أ. بدر العرابي
الوحدة اليمنية من منظور اجتماعي

عاش اليمنيون (بغض النظر عن الهوية والتحولات التاريخية والمغالطات السياسية) شمالاً وجنوباً في إطار دولتين جارتين وشعبين تداخلت بينهما المنافع والمصالح وأساليب الحياة والنشاط الإنساني ، دون اعتبار للحدود الجغرافية للدولتين (جمهورية اليمن الديمقراطية جنوباً والجمهورية العربية اليمنية شمالاً ) وكان العداء الجهوي بين النظامين السياسيين ، يفتر ويشتد حيناً ، دون أي عكس اجتماعي لهذا العداء بين الشعبين ؛ وفي الغالب كان هذا العداء يبرز وفقاً لدفع من خارج اليمن ، وبالتحديد من الصراع بين القطبين السياسيين الدوليين (المعسكر الاشتراكي الذي تزعمه الاتحاد السوفيتي ، والمعسكر الرأسمالي الذي تتزعمه الولايات المتحدة الأمريكية ) ،ومن ثم كان الأثر
الذي يتمخض عن هذا الصراع ،يطل بملامحه على العلاقات بين الدولتين ،ويحرك صراعاً سياسياً نظرياً ،قد يتطور إلى صراع ميداني جعرافي عسكري في مناطق التماس بين البلدين .
استمر هذا الصراع العالمي بين القطبين (الرأسمالي والاشتراكي ) يفتر ويشتد حسب الحاجة الخارجية ،ردحاً من الزمن ؛ إلا أنه لم يحدث أي اختراق للبنية الاجتماعية ؛ إذ ظل الصراع عالقاً بين النظامين السياسيين في الشمال والجنوب ؛ باستثناء استقطاب النظامين للمعارضين ومن يدخلون في صراع سياسي مع النظام الجنوبي (الحزب الحاكم ) أنذاك ، وكذا المعارضين المقموعين سياسياً ومناطقياً في الشمال ، كأبناء المناطق الوسطى في الشمال ( تعز ،إب ،الحديدة وبعض الحالات الفردية من المحافظات الشمالية الأخرى ) . وظل النظامان في الشمال والجنوب يستحثان الصراع الداخلي والمعارضين في كل من الدولتين ؛ حتى إذا ماتعرض المعارضين في الشمال للقمع والتنكيل من نطام الدولة الشمالية ،تحول الجنوب إلى منفى لهم ، والعكس .
وقدظلت العلاقة الاجتماعية بين الشعبين بمنأى عن الصراع السياسي ؛ مماخلق علاقة عريضة ومستديمة من الود الاجتماعي ووحدة المشاعر الإنسانية الموجبة ،على المستوى الشعبي .

إلى إن تمت الوحدة اليمنية في عام 1990م ،وانقلبت الأمور رأساً على عقب واشتد الصراع الجهوي وتفسخت وحدة المشاعر بين الشعبين حتى ذابت في مستنقع السياسة والتبعية والتعبئة الجهوية والإيديولوجية ،التي أفضت إلى نزع المشاعر الإنسانية الموجبة بين الشعبين وغرس مشاعر الغبن والأحقاد الجهوية التي استجاب لها الفكر الشعبي وبالغ فيها بدفع سياسي فوقي ،لايهمه السلام المجتمعي وتفسخ رابطة التعايش الإنساني المكتسبة عبر التاريخ، بين الشعبين في الشمال والجنوب .
إن نجاح النظام في الشمال في ابتلاع الشريك السياسي الجنوبي من خلال الحرب ، وإخضاعه الجنوب بقواه السياسية والشعبية وضم جغرافيته وثرواته ،ثم العبث به أرضاً وإنساساً ، على مرأى من الرأي العام الشمالي نُخباً سياسية واجتماعية وقبلية وأكاديمية وشعبية _ قد خلق حاجزاً شعورياً جمعياً من الغبن والهزيمة الجهوية والدونية ،لدى الجنوبيين جميعهم ، لايمكن تفتيره والتخفيض منه ، إلا بعودة دولتهم الجنوبية ،كمعادل موضوعي وتاريخي وإنساني
وكهاجس جمعي لحظي يتمدد في زمنهم الحاضر .

ولكي يستشعر أبناء الشمال مقدار الألم والمعاناة والإحساس بالهزيمة ، عند الجنوبيين _ عليهم فقط بالتفكير بتبديل المواضع ولو مجازاً ،ويضعون أنفسهم بموضع الذي يشعر بالهزيمة تطارده فوق اللحظة من جهة معلومة ،مايزال ساستها وقواها السياسية تعبث بحياته وتصادر حقوقه وثرواته وتشبعه قتلاً وتنكيلاً .

إن وحدة المشاعر فيما يخص الصراع الجهوي وفيما يخص الجانب الإنساني الملح _ أهم من الوحدة السياسية في اليمن ؛ ويعلم كل جنوبي وشمالي في اليمن أن المعضلة الإنسانية التي حدثت في اليمن ؛ هي تقويض وتذويب وحدة المشاعر والأخوَّة الذي حدث منذ عام ???? مروراً ب ???? حتى اللحظة الراهنة ؛ وإذا كان السبب الرئيس في تقويض ونسف وتدمير وحدة المشاعر التي ترسخت منذ أن ظهر الإنسان اليمني جنوباً وشمالاً حتى عام ???? م_ إذا كان من تسبب في هذا الشرخ النفساني الجهوي ، قد ولَّى وذهب إلى غير رجعة ؛ فعلى الجنوبيين والشماليين السعي لاستعادة ( وحدة المشاعر ) وتقيؤ الأثر الذي خلقته الوحدة السياسية والغبن والأحقاد الجهوية بعيداً عن تدوير الأطماع والقناعات غير السوية بابتلاع طرف جهوي لطرف آخر لحساب القناعات والأيديولوجيات التي سادت بعد عام ????م .

مايحدث من صراع جهوي بين الجنوب والشمال _ ليس إلا عرَضَاً لعلَّةٍ حلَّتْ باليمنيين شمالاً وجنوباً ؛ كان سببها ( الوحدة السياسية ) التي قامت على مغالطات سياسية وصراع سياسي غير سوي نجم عن غايات منحرفة بين نظامين سياسيين كل واحد يسعى لابتلاع الآخر وإلغاءه ثم ابتلاع الثروات لصالح فئة جهوية قبلية عسكرية عمدت إلى خلق الأحقاد الجهوية والغبن الاجتماعي الجهوي بين الثقافتين الجهويتين في الجنوب والشمال .

واستنساخ وتدوير غايات ابتلاع الآخر وإلغاءه _ يعدُّ تمادياً في تدمير وتمويت أي براعم ناتئة لوحدة المشاعر، تبزغ حتى وبشكل لا إرادي .

وخلاصة القول ومن وجهة نظرنا ؛ فإن على القوى السياسية الشمالية أن تستعيد المنهج العقلاني في تفكيرها ، وتتجه بإصرار وحرص لاستعادة وحدة المشاعر التي لن تأتي إلا بالدفع بقوة نحو استعادة الدولتين بصيغة ماقبل عام ????م حتى نبدأ بتهيئة أنفسنا في الشمال والجنوب لاستعادة وحدة المشاعر والتسامح والمحبة واحترام المصالح الإنسانية .

وعلينا في هذه اللحظة الحرجة من التمزُّق والشتات والصراع غير المجدي _ علينا أن نُفكر بالسلام فقط ، وكيف نستطيع استعادته ؛ كي نعيش إنسانيتنا بشكل من الاستقرار والنماء أسوة بالمجتمعات من حولنا .

فالسلام والسلام والسلام؛ هو ما نفتقده الآن وهو الضامن الوحيد لعودة الروح لنا ؛ وعلينا أن نحمله كرسالة إنسانية ملحَّة الآن الآن الآن وفي هذه اللحظة .

مقالات أخرى

مستشارة ثقافية بالوراثة: الجمهورية العائلية اليمنية في أقصى تجلياتها

فتحي أبو النصر

المبعوث الأممي .. خط الدفاع الأول عن الحوثيين

فضل مبارك

المبعوث الأممي .. خط الدفاع الأول عن الحوثيين

فضل مبارك

ماهي الأبعاد والمخاطر لسك الحوثيين عملة نقدية جديدة؟!

ماجد الداعري