عدّدت الصحافية التركية بانو غوفن خمسة أسباب دفعت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى الاقتراب من خسارة جميع مكامن القوة التي ظن أنه رسخها بعد حملة التطهير الشامل التي أعقبت الانقلاب الفاشل ضده.

أسس أردوغان حلقته الضيقة من الأنسباء والأصدقاء أو الأشخاص الذين يكررون على مسامعه ما يحب أن يسمعه. لذلك، لم يكن بإمكان أحد إخباره عن الأخطاء وكتبت غوفن في شبكة "دويتشه فيله" الألمانية أن أردوغان فرض حكم طوارئ لمدة عامين من أجل إلغاء العقبات المحتملة أمام حكمه المطلق. مع ذلك، يشعر الرئيس التركي حالياً بالقلق من فقدان قبضته على السلطة أكثر من أي وقت مضى.

تظهر استطلاعات رأي حديثة أنه لن يستطيع الفوز لو تم تنظيم انتخابات رئاسية اليوم. وتوضح غوفن أن خلف خسارة الدعم الشعبي أخطاء عنيدة واظب على ارتكابها طوال السنوات الخمس الماضية، وهي الأخطاء التي يرتكبها المستبدون.

كان وحشياً جداً
عقب محاولة الانقلاب، وفي ظل حكم الطوارئ، بدأ أردوغان أكبر حملة تطهير في تاريخ تركيا السياسي. طُرد عشرات الآلاف من وظائفهم – مسؤولون عسكريون، قضاة، مدعون عامون، بيروقراطيون، أكاديميون – من دون سبب وتم استبدالهم بموالين حزبيين لا يتمتعون بخبرة. كذلك، أرسِل صحافيون وكتّاب وأعضاء من المجتمع المدني إلى السجون من دون أي أفق لإطلاق سراحهم. وقد سُجن سياسيون، بمن فيهم خصومه، حتى قبل تلك الحملة.

أضافت غوفن أنه خلال الأعوام الخمسة الماضية، وصف أردوغان أي شخص وقف في طريقه بأنه إرهابي أو عميل أجنبي. وأصبح التعذيب وسوء المعاملة في أقسام الشرطة عملاً اعتيادياً. لقد استغل الرئيس التركي الفرصة الناتجة عن حكم الطوارئ لإغلاق وسائل الإعلام المعارضة بما فيها الوسيلة الإعلامية التي كانت الكاتبة جزءاً من فريق عملها. يصعب غض الطرف عن هذا السلوك الوحشي حتى بالنسبة إلى المتعاطفين مع نظام أردوغان.

أوهامه عن قدراته
بالغ أردوغان بقدراته في السياسة الخارجية فوجد جميع الأتراك أنفسهم في مواجهة التداعيات. استغربت الكاتبة طريقة تفكير أردوغان حين سجن القس الأمريكي أندرو برانسون واتهمه بالارتباط بتيار فتح الله غولن. وفي مقابل الإفراج عن برانسون طلب أردوغان من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تسليمه غولن. لكن عوضاً عن ذلك، حصلت تركيا على العقوبات ورفع الرسوم الجمركية الأمريكية على الواردات التركية. وانخفضت الليرة التركية 40% أمام الدولار خلال أيام قليلة.

اختار الأشخاص الخطأ
أسس أردوغان حلقته الضيقة من الأنسباء والأصدقاء أو الأشخاص الذين يكررون على مسامعه ما يحب أن يسمعه. لذلك، لم يكن بإمكان أحد إخباره عن الأخطاء. أما الذين تجرأوا على ذلك فقد أقالهم من مناصبهم. والأشخاص الذين أحاطوه بنوا شبكتهم الخاصة من المحسوبيات. إن اعترافات الزعيم المافيوي سيدات بيكير الأخيرة كشفت بعض الأعمال المشبوهة التي تمحورت حول نظام أردوغان بما فيها ابتزاز رجال الأعمال عبر تهديدهم ببساطة بأنهم غولنيون.

يصر على أخطائه
استبدل أردوغان ثلاثة محافظين للبنك المركزي التركي خلال سنتين لأنهم لم يوافقوه بالكامل على سياساته النقدية. على الرغم من أن الاقتصاد أثبت خطأ الرئيس التركي، دأب أردوغان على الزعم بأن أسعار الفائدة العالية تتسبب بالتضخم الجامح. وتضيف الكاتبة أن تعيين أردوغان صهره بيرات البيرق وزيراً للمالية لم يكن أيضاً خطوة جيدة. أشرف البيرق على بيع المصرف المركزي 128 مليار دولار لتعويم الليرة التركية، ومع ذلك لم يمنع هذا الأمر تدهور قيمة العملة المحلية. في نهاية المطاف، رحبت الأسواق المالية باستقالة البيرق. لكن حينها، كان الوقت قد تأخر لإنعاش الليرة.
مثل جميع المستبدين، أبدى أردوغان رد فعل غاضباً وعنيفاً أو إنكارياً في أفضل الأحوال على التنوع. سواء أكان الأمر مرتبطاً برأي سياسي مخالف، أو بحزب موال للأكراد، أو بعلم قوس قزح أو بالطلاب أو بالنسويات، تلقت الشرطة والقضاء أوامر متكررة بالتدخل العنيف.

هكذا ينتهي الطغاة
وصف أردوغان مرة الانقلاب الفاشل بأنه "هدية من الله"، معتقداً أنه أعطاه الفرصة للسيطرة بالكامل على الدولة. لكنه ارتكب خطأ آخر يرتكبه جميع المستبدين. في مرحلة من المراحل، يميل الطغاة إلى الاعتقاد بأنهم لا يُقهرون حتى يواجهوا المحتوم: فالاستبداد هو نظام منفصل عن الواقع وفي مرحلته النهائية حيث تضمن جاذبيته الخاصة دماره، كما هي الحال مع الثقب الأسود الذي يتقلص حتى يتبدد في نهاية المطاف. إن موقف أردوغان بعد الانقلاب الفاشل سرّع هذا المسار. بحسب غوفن، يبدو أن الرئيس التركي وصل إلى أفق الحدث – أي نقطة اللاعودة في ثقب الاستبداد الأسود.