تبنّت الجماعة الحوثية في اليمن، الأحد، أولى الهجمات الصاروخية باتجاه إسرائيل لمساندة إيران بالتنسيق مع الأخيرة، وذلك غداة تأكيد زعيمها عبد الملك الحوثي دعمه لموقف طهران «بكل ما يستطيع» للرد على الضربات الإسرائيلية.
وجاء تبني الحوثيين للهجمات المنسقة مع طهران بعد ساعات من استقبال العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء ضربات إسرائيلية هدفت لاغتيال قادة حوثيين، يتصدرهم رئيس أركان الجماعة محمد عبد الكريم الغماري، وسط تعتيم على نتائج العملية.
ومنذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023 انخرطت الجماعة الحوثية في الصراع، ضمن ما يسمى «محور المقاومة» بقيادة إيران، وأطلقت أكثر من 200 صاروخ ومسيرة باتجاه إسرائيل، وهاجمت نحو 100 سفينة في سياق ما تقول إنه مساندة للفلسطينيين في غزة.
وقال المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع في بيان متلفز، الأحد، إن قوات جماعته نفذت عملية عسكرية استهدفت أهدافاً حساسة إسرائيلية في تل أبيب بعدد من الصواريخ الباليستية الفرط صوتية من نوع «فلسطين 2».
صاروخ باليستي سماه الحوثيون «فلسطين 2» ويستخدمونه في مهاجمة إسرائيل (إعلام حوثي)
وأوضح المتحدث الحوثي أن تنفيذ هذه الهجمات تم في أوقات متفاوتة خلال الـ24 ساعة الماضية، مدعياً أنها حققت أهدافها. وأشار إلى أنها تناسقت مع الهجمات الإيرانية على إسرائيل.
وفي حين كانت البيانات الإسرائيلية تحدثت، السبت، عن إطلاق صاروخ من جهة اليمن، لم يحدد المتحدث الحوثي عدد الصواريخ المتفرقة التي أطلقتها جماعته.
وظهر موقف الجماعة الرسمي المساند لإيران في خطبة لزعيمها عبد الملك الحوثي مساء السبت لمناسبة الاحتفال بما يسمى «يوم الولاية»، وهي مناسبة ذات منزع ديني طائفي، تكرس أحقية سلالة الحوثيين في الحكم.
وقال الحوثي في خطبته: «فيما يتعلَّق بموقفنا نحن فيما حصل من عدوان إسرائيلي ضد الجمهورية الإسلامية في إيران، نحن نؤيِّد الرد الإيراني، وشركاء في الموقف بكل ما نستطيع».
ويقدر مراقبون يمنيون أن الجماعة الحوثية ستكثف إطلاق عمليات الصواريخ من جهتها، لكنها لن تكون ذات تأثير مهم بالمقارنة بعشرات الصواريخ التي تطلقها إيران يومياً.
بالتزامن مع الضربات الجوية الواسعة التي تشنها إسرائيل على إيران، تحدث الإعلام العبري عن تنفيذ عملية اغتيال في صنعاء الخاضعة للحوثيين.
ونقلت صحيفة «جيروزاليم بوست» عن مصادر عسكرية إسرائيلية قولها: «سنعرف قريباً ما إذا كان الهجوم قد نجح».
من جهتها ذكرت صحيفة «هآرتس» أن القصف الإسرائيلي استهدف رئيس أركان قوات الحوثيين محمد عبد الكريم الغماري.
وسمع السكان في صنعاء دوي الضربة التي استهدفت مقراً في حي حدة يعتقد أن الحوثيين يستخدمونه للقيادة والسيطرة، قبل أن تفرض الجماعة طوقاً أمنياً على المكان.
إعلام إسرائيلي تحدث عن ضربة في صنعاء لاغتيال رئيس أركان الحوثيين محمد الغماري (إكس)
ومع عدم تأكيد إسرائيل نجاح عملية الاغتيال، لم يعلق الحوثيون على الضربة، بما في ذلك نتائجها من حيث الخسائر البشرية، كما هي عادتهم في التعتيم على الأضرار التي لحقت بهم جراء الغارات الأميركية والإسرائيلية السابقة.
ويشغل الغماري منصب رئيس أركان الحوثيين منذ 2016، وهو من الصف العسكري العقائدي في الجماعة، حيث شارك في أغلب حروبها المتمردة ضد الدولة اليمنية، وتلقى تدريبات في طهران، كما أنه مدرج على قائمة عقوبات مجلس الأمن وعقوبات الولايات المتحدة ضد الجماعة.
وإذا ما نجحت إسرائيل في تصفية الغماري، فيتوقع مراقبون أن تواصل تنفيذ عمليات مماثلة على الرغم من الصعوبات اللوجيستية وشح المعلومات الاستخبارية بخصوص الهيكل القيادي للجماعة.
ولا يستبعد أن تنخرط الجماعة بشكل أوسع ضمن مساندة إيران إذا ما اتخذت المواجهة مع إسرائيل نطاقاً أوسع، وذلك من قبيل العودة إلى مهاجمة السفن في البحر الأحمر، بعد أن كانت الجماعة أذعنت لإيقاف الهجمات البحرية في 6 مايو (أيار) بناء على اتفاق مع واشنطن رعته سلطنة عمان.
لم تحقق الهجمات الحوثية أي نتائج مؤثرة على إسرائيل على صعيد الخسائر البشرية، باستثناء مقتل شخص بطائرة مسيّرة ضربت شقة في تل أبيب في 19 يوليو (تموز) 2024.
ومنذ تلك الواقعة، شنّت إسرائيل 10 موجات من الضربات الانتقامية، دمّرت خلالها مواني الحديدة الخاضعة للحوثيين، ومطار صنعاء، وأربع طائرات تابعة للخطوط الجوية اليمنية، ومصنعي أسمنت، ومحطات كهرباء في صنعاء والحديدة.
صاروخ بحري استعرضته الجماعة الحوثية في سياق تهديدها للملاحة بالبحر الأحمر (إعلام حوثي)
ومن المرجّح أن تستمر تل أبيب من وقت لآخر في ضرب المناطق الخاضعة للحوثيين رداً على الهجمات، لكن يستبعد المراقبون أن تكون الضربات ذات تأثير حاسم على بنية الجماعة وقادتها وأسلحتها، بسبب البعد الجغرافي، وعدم توافر معلومات استخبارية دقيقة.
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس هدد بفرض حصار جوي وبحري على مناطق سيطرة الحوثيين، وقال في تغريدة على منصة «إكس» إن «الذراع الطويلة لإسرائيل، سواء في الجو أو البحر، ستصل إلى كل مكان».
وواصل تهديده بالقول: «حذرنا منظمة الحوثي الإرهابية من أنها إذا استمرت في إطلاق النار على إسرائيل فإنها ستواجه رداً قوياً، وسوف تدخل في حصار بحري وجوي».
وبموازاة ذلك، تقول الجماعة إنها لن تتوقف عن هجماتها إلا بتوقف الحرب على غزة، وإنهاء الحصار المفروض على القطاع، وإدخال المساعدات الإنسانية.
يُشار إلى أن دخول الجماعة على خط الصراع الإقليمي والبحري في نوفمبر 2023 أدى إلى تجميد مسار السلام مع الحكومة اليمنية الشرعية، كما تسبب التصعيد في تفاقم انهيار الاقتصاد، وزيادة المعاناة الإنسانية، مع وجود نحو 20 مليون شخص بحاجة للمساعدات.