لستُ ممن يُجيدون صناعة المديح على هوى الريح، ولا ممن يُتقنون التزلف حين تعلو المناصب وتتضخم الألقاب. لم أكن يومًا ممن يهوون تمجيد الأشخاص لمجرد بريق مناصبهم أو صخب أسمائهم، ولكن للحق سلطان، وللإنصاف هيبة، تفرض على المرء أن يقول كلمته حين يراها حقًا، ولو جاهد نفسه ليصمت.
وحين نجد أنفسنا في زمنٍ تمور فيه الساحة السياسية بالضباب، وتضطرب فيه البوصلة الوطنية تحت وطأة الحسابات الضيقة، يبرز من بين الصفوف رجلٌ لا يلوذ بالمجاملات، ولا يختبئ خلف الحياد المريب.. رجلٌ إن اختلفت معه، وجدت نفسك تزداد له تقديرًا، وإن اتفقت، أحببته وأحببت صلابته، وعلوّ هِمته. إنه أبو زرعة المحرمي، عضو مجلس القيادة الرئاسي، القائد الذي لا يصنع المجد بالخُطب، بل يصنعه بالفعل الحاسم والموقف الجريء.
في ساحات السياسة، كثيرٌ هم أولئك الذين يجيدون الحديث، ويبرعون في تصدير الشعارات، لكن قلّة منهم يُجيدون الفعل عند الحاجة، والحسم عند الانسداد. وقد أثبت أبو زرعة المحرمي مرارًا، أنه من هذه القلّة، وأنه، حين يَعلَق الوطن، لا يُلقي اللوم على الآخرين، بل يرفع عن كاهله أثقال الحسابات، ويتقدّم.
ومن شواهد هذا، موقفه الأخير في الإفراج عن مقطورات الغاز المحتجزة في محافظة أبين.. تلك الأزمة التي أوشكت أن تتفاقم وتتحول إلى شرارة صراع، وقف أمامها كثيرون صامتين أو مترددين، لكن أبو زرعة تقدّم كعادته، فاختار أن يُنهي الأزمة لا أن يديرها، وأن ينتصر للحكمة لا للعناد، وأن يضع المصلحة العامة فوق اعتبارات الاصطفاف والمزايدات.
لم يكن موقفه انحيازًا لطرفٍ ضد آخر، بل كان انحيازًا للدولة، للناس، لحياة المواطن البسيط الذي ينتظر أسطوانة الغاز كي يطهو طعام أطفاله. كان موقفًا يُحاكي نبض الشارع، ويُجسّد ما ينبغي أن يكون عليه القائد: صاحب قرار لا صاحب تبرير.
مواقفه الوطنية كثيرة ومتعددة ولا تملك - أيًّا كان موقعك - إلا أن تحترم رجلًا لا يبحث عن الانتصار في الخطاب، بل في حلّ العقد؟.. هكذا هو أبو زرعة: لا يتحدث كثيرًا، لكنه إذا تحدث فعل، وإذا تحرك حلّ، وإذا حضر شعر الناس بأن للدولة وجهًا وهيبة.. ففي حضوره يعلو صوت الحزم، لا الفوضى.. وفي قراراته تُرسم ملامح وطنٍ يحاول أن يتعافى رغم الجراح. وبين كل موقف وآخر، يثبت أن احترام الرجال لا يُفرض بالقوة، بل يُنتزع بالمواقف والمبادئ والثبات.
أبو زرعة المحرمي… قد تختلف معه، وقد تعارضه في بعض ما يرى، لكنك لا تملك إلا أن تقول في قرارة نفسك: هذا رجلٌ يُحترم… شئنا أم أبينا.