في الوقت الذي يتابع فيه العالم أخبار الصراع في البحر الأحمر كأزمة ملاحية وتجارية، نغفل نحن – سكان السواحل المنكوبة – عن الخطر الحقيقي الذي يتسلل بهدوء إلى حياتنا ، الأسماك التي نأكلها، قد تكون محمّلة بالسموم من السفن التي تسرب لنا الموت نتيجه غرقها.
فمع تكرار استهداف السفن التجارية في البحر الأحمر من قِبل الحوثيين، بدأنا نشهد غرق سفن محمّلة بالنفط أو المواد الكيماوية، بعضها في عرض البحر، وبعضها بالقرب من سواحل اليمن. وهذه ليست مجرد حوادث عابرة، بل كوارث بيئية يتحمّل ثمنها من يعيشون على صيد البحر، ومن يضعون السمك في أطباقهم كل يوم.
فالسفن الغارقة لا تختفي.
تظل في قاع البحر تنزف موادها السامة، تختلط بالماء، وتدخل أجسام الأسماك، لتستقر لاحقًا في أجسادنا نحن.
الأسماك ملوثة… والمصيبة أن طعمها لن يتغير!
درست قديما أن تسرب النفط يغطّي سطح الماء، ويمنع الضوء. ، والأوكسجين من الوصول إلى الكائنات البحرية، مما يقتل الشعاب المرجانية ويفقِد البيئة البحرية توازنها.
اي ان الأسماك لا تموت فورًا، لكنها تمتص السموم والمعادن الثقيلة مثل الزئبق والرصاص، وتخزّنها في أنسجتها. نحن نصطادها، ونأكلها بثقة… دون أن نعلم أن كل وجبة تقرّبنا أكثر نحو أمراض الكلى، تدمير الكبد، اختلال الأعصاب، وأحيانًا… نحو السرطان.
وبالمقابل نجد االعالم يركّز على تهديد حرية الملاحة، لكنه يتغافل عن تهديد حرية الإنسان في أن يأكل طعامًا نظيفًا ويشرب ماءً نقيًا.
من سيحمي المواطن اليمني البسيط من الأسماك الملوثة؟
من سيُجبر من أسقط السفن أن ينتشلها؟
ومن سيُحاسب من يدمّر البيئة البحرية باسم السياسة والحرب؟
اسئله لاجواب لها ....!! نحن لا نريد خطبًا ولا بيانات…نريد حياة نظيفة، وبحرًا لا يخدعنا بالملوحة فقط، بل يخفي سمّه في الأسماك.
كفى تسييسًا للبحر… وكفى لعبًا بأرواحنا.
إذا لم تتحرك الجهات المعنية الآن، فغدًا سنأكل التلوّث ونورّثه لأطفالنا، وسنكتشف – بعد فوات الأوان – أن المعركة لم تكن على مضيق باب المندب فقط… بل على لقمة العيش وسلامة الجسد..
ختاما.
نحن لسنا مجرد متفرجين على شاشات الأخبار…ومتابعي مواقع التواصل الاجتماعي ، نحن من يعيش تحت وطأة هذا البحر المسموم.
نحن الذين نأكل من خيره، ونُقتل بصمته.
لسنا بحاجة لمؤتمرات دولية تتحدّث عن البيئة بلغة خشبية… نحن بحاجة لتحرّك فعلي، شجاع، يبدأ بانتشال السفن الغارقة، وتحليل الأسماك، ومنع الصيد في مناطق التلوّث، وتعويض الصيادين المتضررين.
البحر كان مورد رزق، فصار مصيدة موت.
فإما أن نتحرك الآن…أو نكتشف لاحقًا أننا فقدنا البحر، والصحة، والحياة، بصمتٍ غبيّ وجبنٍ سياسي.
وطني يكفيه ما أصابه…
فلا تجعلوا من البحر جرحًا جديدًا في جسده المنهك.
كتب /
منى البان.
يوليو 2025