صحيفة بريطانية : الطائرات المسيّرة طريق الانتصار على الحوثيين
الامناء نت/العرب:

تشير الهجمات الحوثية الأخيرة في البحر الأحمر إلى تحول نوعي في طبيعة التهديدات غير التقليدية، حيث لم تعد الجماعة مجرد فاعل محلي مسلح، بل لاعب إقليمي قادر على إرباك خطوط التجارة العالمية وتحدي القوى الكبرى بأدوات منخفضة الكلفة وعالية التأثير.

ويفرض هذا الواقع إعادة نظر شاملة في الإستراتيجيات التقليدية، لمواجهة خصم يجمع بين المرونة التنظيمية والتكنولوجيا غير المتماثلة.

ويرى إريك نافارو، مدير البرامج العسكرية والإستراتيجية في منتدى الشرق الأوسط في تقرير نشره موقع المنتدى أنه في ظل محدودية فعالية الردع الجوي والضربات الانتقامية، تبدو الحاجة ملحّة لاعتماد نهج استنزافي ذكي ومستدام، يقوم على السيطرة الجوية الكثيفة عبر الطائرات المسيّرة، كسبيل لشل قدرة الحوثيين على المناورة والتهديد، وتحقيق تفوق منخفض الكلفة ومرتفع الفعالية.

وأثبتت تجربة التحالف العربي، وكذلك الضربات الأميركية المتقطعة، أن حملات القصف وحدها لا تُنتج نصرا حاسما، بل على العكس، كثيرا ما تتيح للجماعة هامشًا لإعادة التموضع والتجدد.

وهذا ما يدفع باتجاه تحول نوعي في الإستراتيجية: من الضربات المحدودة والمكلفة، إلى حرب استنزاف ذكية وديناميكية، عمادها إغراق المجال الجوي اليمني بالطائرات المسيّرة منخفضة الكلفة.


ولا يعود الهدف تدمير موقع ثابت، بل فرض عبء دائم على بنية الحوثيين العملياتية والبشرية، وشل قدرتهم على التنقل والإمداد والقيادة.

ولا يأتي هذا التوجه الجديد من فراغ. ففي تجارب حديثة، وعلى رأسها النموذج الأوكراني، تمكنت قوات كييف من استخدام أسراب من الطائرات المسيّرة الرخيصة لتدمير معدات روسية ثقيلة ومكلفة، مما أعاد رسم موازين الكلفة العسكرية.

وفي مشهد بات مألوفا، تُهاجم عشرات الطائرات المسيّرة دبابة روسية متطورة أو منظومة دفاعية بملايين الدولارات، باستخدام أدوات لا تتعدى كلفتها آلاف الدولارات.

ويجعل هذا الاختلال في ميزان الكلفة من الحرب المستدامة خيارًا قابلًا للتنفيذ، خاصة عندما تكون الموارد المالية والذخائر الإستراتيجية لدى الطرف الآخر محدودة أو مرهقة أصلاً.

وفي السياق اليمني، فإن البيئة الجغرافية الوعرة تُشكّل عنصر دعم تكتيكي للحوثيين، لكنها في المقابل تُعقّد من إمكانية العمل العسكري التقليدي.

ولهذا، فإن استخدام المسيّرات لا يُعد ترفًا تقنيًا، بل ضرورة عملياتية تسمح برصد التحركات في الوقت الحقيقي، وتنفيذ الضربات دون تعريض قوات بشرية للخطر أو استنزاف الموارد العسكرية الإستراتيجية. كما أن هذا النهج يُتيح للولايات المتحدة وإسرائيل، أو أي تحالف محتمل، الحفاظ على قدراتها العسكرية العالية لاستخدامها في جبهات أكثر حساسية، مثل المحيط الهادئ أو الخليج.

ويُلبّي التحول نحو حرب المسيّرات أيضًا اعتبارات سياسية داخل الولايات المتحدة، التي باتت تبتعد عن الانخراط في الحروب المباشرة منذ أفغانستان والعراق، في ظل تراجع التأييد الشعبي للتدخلات الخارجية.

التحول نحو حرب المسيّرات يُلبّي اعتبارات سياسية داخل الولايات المتحدة، التي باتت تبتعد عن الانخراط في الحروب المباشرة منذ أفغانستان والعراق

ولذا، فإن نموذج “الرد البعيد منخفض الكلفة” يُوفر غطاءً سياسيًا وعمليًا لصنّاع القرار، ويفتح هامشًا واسعًا لتحرك إستراتيجي لا يُغرق واشنطن في مستنقع جديد.

ومن جهة أخرى، لم يعد التفوق العسكري في ميدان الحرب الحديثة قائمًا على عدد الطائرات أو حجم الحشود، بل على قدرة الدولة على إدارة الموارد الذكية بكفاءة، وتوظيف العدد لا النوع فقط، وخلق بيئة استنزاف مستمرة للعدو.

وكلما ازداد عدد المسيّرات التي تحلّق في سماء اليمن، وتكاثرت العيون الرقمية التي تراقب وتضرب، ضاقت المساحة أمام الحوثيين، وباتت الحركة نفسها فعلًا مكلفًا، والوجود فوق الأرض خطرًا.

وهكذا، يتضح أن النجاح الأساسي في مواجهة جماعة الحوثي لا يتحقق بقرار سريع أو ضربة خاطفة، بل من خلال عملية مستدامة ذكية، تُعيد تشكيل البيئة العملياتية، وتحرم الجماعة من ميزة المبادرة والتخفي، وتُحوّل كل خطوة تخطوها إلى مغامرة محسوبة الثمن. فحين تتحول السماء إلى شبكة قاتلة، يفقد العدو حريته، ومعها قدرته على القتال والتهديد.

ويمتد الصراع مع الحوثيين في اليمن إلى أكثر من عقد، وهو جزء من نزاع إقليمي أوسع يشمل التدخلات المتعددة من قبل قوى إقليمية مثل السعودية وإيران.

ونشأت حركة الحوثي في بيئة معقدة، حيث تداخلت الأبعاد السياسية والطائفية والاجتماعية، مما جعل الصراع أكثر تعقيدًا واستمرارًا.

ومنذ عام 2015، دخل التحالف العربي بقيادة السعودية في مواجهة مباشرة مع الحوثيين، محاولًا إعادة الشرعية للحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، لكن الحرب استمرت مع تصاعد وتيرة الهجمات والردود العسكرية.


ومن جانب آخر، تسبب النزاع في تهديد خطير للأمن البحري في البحر الأحمر وخليج عدن، حيث تمر عبر هذه المناطق طرق بحرية حيوية لنقل النفط والبضائع إلى الأسواق العالمية.

وأثرت الهجمات الحوثية المتكررة على السفن تسببت في اضطرابات كبيرة على حركة التجارة العالمية، مما دفع المجتمع الدولي إلى زيادة مراقبته وتدخله في المنطقة للحفاظ على أمن الملاحة.

وتعتبر التحديات اللوجستية في مواجهة الحوثيين كبيرة، فالتضاريس الوعرة في اليمن، مع وجود شبكة معقدة من الكهوف والأنفاق والمخابئ، تعرقل جهود الرصد والمراقبة التقليدية.

ويجعل هذا الواقع الحاجة إلى استخدام تقنيات متقدمة، مثل الطائرات المسيّرة، أمرًا ضروريًا لتجاوز هذه العقبات والوصول إلى أهداف عسكرية دقيقة.

ومع تطور تقنيات الطائرات المسيّرة، أصبحت هذه التكنولوجيا أداة حاسمة في الحروب الحديثة، حيث تسمح بتوجيه ضربات دقيقة وفعالة بتكلفة منخفضة مقارنة بالأسلحة التقليدية.

وأظهرت تجارب النزاعات في مناطق أخرى مثل سوريا وأوكرانيا كيف يمكن للأساطيل الكبيرة من الطائرات المسيّرة الرخيصة تدمير أهداف باهظة الثمن، مما يغير قواعد الاشتباك ويخلق ميزان قوة جديدًا في ساحة المعركة.

وعلى الجانب السياسي، يبقى الحل العسكري غير كافٍ لإنهاء النزاع في اليمن، إذ إن العملية السياسية التي تشمل جميع الأطراف، بما في ذلك الحوثيين والدول الإقليمية، ضرورية لتحقيق سلام دائم.

ويمكن أن يدعم تبني إستراتيجية عسكرية ذكية المساعي الدبلوماسية من خلال تقليل القدرة القتالية للحوثيين دون تصعيد شامل يزيد من تعقيد المشهد.

ولا يمكن أيضًا إغفال البعد الإنساني المؤلم لهذا النزاع المستمر، حيث يعاني المدنيون من أزمات غذائية وصحية حادة، ما يفرض ضغوطًا على جميع الأطراف للبحث عن حلول تقلل من المعاناة وتسرع في إنهاء الحرب.

وتؤكد كل هذه الخلفيات أن المواجهة مع الحوثيين تتطلب إستراتيجية متكاملة تعتمد على التكنولوجيا الحديثة، خاصة الطائرات المسيّرة، مع مراعاة الأبعاد السياسية والإنسانية، لتحقيق نجاح مستدام يحد من تهديدات الحوثيين ويعزز الأمن والاستقرار في المنطقة.

متعلقات
مستشار وزير الشباب والرياضة يلتقي بعثة المنتخب الوطني تحت 23 سنة في مأرب
أمن العاصمة عدن يلقي القبض على متهم بسرقة مركبات في خور مكسر
اشتباكات عنيفة بين العشائر والفصائل الدرزية عند مدخل السويداء الغربي
صحيفة بريطانية : الطائرات المسيّرة طريق الانتصار على الحوثيين
اختفاء 3 صيادين من أبناء الخيسة بعدن ومناشدات عاجلة للبحث عنهم