قامت جماعة الحوثي باختطاف أمين عام حزب المؤتمر الشعبي غازي أحمد الأحول واعتقال أكثر من عشرة من قياداته، فضلا عن محاصرة منزل رئيس الحزب، صادق أبوراس، وذلك بالتزامن مع استعداد الحزب للاحتفال بذكرى تأسيسه في الرابع والعشرين من أغسطس.
ويشعر الحوثيون بالقلق من قيام حزب المؤتمر باستعراض شعبي في قلب صنعاء ما يمكّنه من خطف الأضواء وجعل سكان صنعاء ينظرون إليه كما لو أنه الجهة المنقذة لهم من فوضى الحكم الحالية في صنعاء، حيث يستمر الحوثيون في جلب المزيد من المآسي لليمنيين بدءا من الأزمة الاقتصادية الحادة وصولا إلى جرّ العاصمة اليمنية إلى حروب عبثية تعطي مبررات لإسرائيل والولايات المتحدة لضرب المنشآت الحيوية وخلق مناخ من الرعب لدى السكان.
ويرى مراقبون أن عزل الحزب عن الحكم تحول إلى ورقة لصالحه، وأن الناس بدأوا يطالبون بعودته إلى السلطة لإنقاذ اليمن من الفوضى وخاصة كسر حالة العداء الخارجي وإعادة إدماج اليمن في محيطه الإقليمي وفتح البلد أمام الاستثمارات وحركة السياحة.
وبات اليمنيون يطالبون بعودة قيادات الحزب الموجودين بالخارج، وخاصة السفير أحمد علي عبدالله صالح كبديل عقلاني وضامن لاستقرار اليمن وانفتاحه على الإقليم والعالم ككل، وشعبيته في الداخل، وهو ما يفسر الضغوط الحوثية على الحزب لإصدار موقف واضح يعلن فيه فصل أحمد علي عبدالله صالح والتبرؤ منه.
ورغم وقوف الحوثيين وراء مقتل أبرز قادة الحزب، ومن بينهم الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، قبل الحزب أن يعمل من صنعاء ويدعم الحوثيين لدوافع وطنية انطلاقا من فكرة رفض التدخل الأجنبي. لكن “أنصارالله” استفادوا من ثقل الحزب سياسيا وشعبيا ثم تخلّوا عنه واعتبروا أن مهمته قد انتهت، وهو ما يفسّر موجة الاعتقالات التي تطال قياداته.
ويشكو حزب المؤتمر الشعبي من تهميشه كليا بالرغم من أنه شريك في السلطة، ولا يحصل على مواقع مهمة في الحكومة، ولا تظهر قيادته بما يكفي في وسائل الإعلام التي يسيطر عليها الحوثيون كليا ويبثون كلمات عبدالملك الحوثي وبقية القيادات الحوثية بشكل كامل مقابل التغاضي التام عن قادة المؤتمر.
وسبق أن اتهم رئيس حزب المؤتمر في صنعاء صادق أبوراس الحوثيين بالفساد وأعلن عن دعم مطالب الموظفين، وقال “للمواطنين الحق في أن يتكلموا عن رواتبهم لأنها حق، ويجب أن نفكر بأن نضع للموظف شيكا في يده بقيمة رواتبه خلال السنوات الماضية، ومتى ما توفرت الموارد يستلمها.”
ويأتي تصعيد الحوثيين ضد حزب المؤتمر قبل أيام من الذكرى الـ43 لتأسيسه، والتي تصادف يوم 24 أغسطس الجاري.
وقد سبق هذا التصعيد إعلان جناح الحزب في صنعاء الاثنين إلغاء أيّ فعاليات جماهيرية أو إعلامية بمناسبة الذكرى، بحجة “المسؤولية الدينية والإنسانية تجاه ما يتعرض له سكان غزة من جرائم وحصار وتجويع.”
وأرجع ناشطون يمنيون سبب إلغاء الاحتفال إلى “ضغوطات من قبل جماعة الحوثي التي سيطرت على صنعاء بقوة السلاح منذ عام 2014.”
ويتزامن تصعيد الحوثي مع تزايد الظهور العلني لابن الرئيس السابق أحمد علي عبدالله صالح في مناسبات سياسية واجتماعية خلال الفترة الأخيرة الأمر الذي أثار مخاوف كبيرة لدى جماعة الحوثي من أن يكون حزب المؤتمر يعيد ترتيب أوراقه لإحياء دوره في المشهد السياسي اليمني.
ودفعت هذه المخاوف الحوثيين إلى ممارسة ضغوط كبيرة على جناح الحزب في صنعاء، بهدف فصل عدد من القيادات، وعلى رأسهم أحمد علي عبدالله صالح، وهو ما أعلنت عنه مصادر مقربة من الحزب.
وأفاد الصحافي فارس الحميري نقلا عن مصادر أن حزب المؤتمر في صنعاء بصدد إصدار قرار بفصل عدد من قياداته المقيمة في الخارج، بمن فيهم أحمد علي عبدالله صالح، مشيرا إلى أن هذه القرارات قد تشمل عددًا كبيرًا من القيادات المؤتمرية التي تتولى مناصب حكومية حاليا أو غيرها، ما يعكس رغبة الحوثيين في القضاء على أيّ نفوذ محتمل لأحمد علي عبدالله صالح داخل الحزب، وبالتالي إضعاف أيّ تيار مناوئ لهم.
ولم يقتصر التصعيد الحوثي على الاعتقالات والضغوط السياسية، بل امتد إلى الأحكام القضائية، فمطلع الشهر الحالي، أصدرت المحكمة العسكرية المركزية في صنعاء، التابعة لجماعة الحوثيين، حكما بإعدام أحمد علي عبدالله صالح ومصادرة ممتلكاته بتهمة “الخيانة والعمالة والتخابر مع العدو.”
وهذا الحكم القضائي، الذي أوردته وكالة الأنباء اليمنية “سبأ” الخاضعة لسيطرة الحوثيين، يمثل تصعيدا خطيرا يهدف إلى إضفاء شرعية قانونية على تهم سياسية.
وبالإضافة إلى حكم الإعدام، قضى الحكم باسترداد الأموال المختلسة وعقوبات تكميلية أخرى، ما يجعل من الصعب على أحمد علي عبدالله صالح أو أنصاره التحرك بفاعلية في المستقبل.
وأدان وزير الإعلام في الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، معمر الإرياني، عملية الاختطاف والاعتقالات، واصفًا إياها بـ”الجريمة”.
وفي بيان على منصة إكس أكد الإرياني أن هذا التصرف “يؤكد أن المطلوب بالنسبة إلى الميليشيا لم يعد مجرد تحجيم المؤتمر أو الحد من جماهيريته، بل محوه من المشهد السياسي بالكامل.”
وأشار إلى أن الحوثيين اتبعوا سياسة ممنهجة لإلغاء كل القوى الوطنية، وفي مقدمتها حزب المؤتمر، باعتباره الحزب الأوسع حضورا والأكثر جماهيرية في الساحة اليمنية.
وشدد الإرياني على أن المؤتمر الشعبي العام مثّل “حجر الزاوية في التعددية السياسية،” وأن استهدافه اليوم “ليس استهدافا لحزب سياسي فقط، بل هو استهداف لرمزية التعددية، ولمكتسبات اليمنيين جميعا، ومحاولة لإعادتهم عقودا إلى الوراء نحو حكم الإمامة الكهنوتي البائد.”