كثّفت الجماعة الحوثية خلال الأيام الماضية حملات الاعتقالات في أوساط منتسبي جامعتَي صنعاء والحديدة الخاضعتين لسيطرتها، على خلفية رفض أكاديميين وطلاب وموظفين الانخراط في مسيرات دعائية نظمتها الجماعة بمناسبة الذكرى الحادية عشرة لاجتياحها صنعاء في 21 سبتمبر (أيلول) 2014.
وحسب مصادر أكاديمية تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، فإن الجماعة استبقت فعالياتها بإطلاق تهديدات صريحة طالت أعضاء هيئة التدريس وموظفين في جامعة صنعاء، لإجبارهم على المشاركة وحشد طلابهم نحو مسيرات وصفت بأنها ذات طابع طائفي، رُصدت لها مليارات الريالات اليمنية من عائدات الدولة المنهوبة.
ورداً على رفض عشرات الأكاديميين والطلاب الانصياع للتوجيهات، شن مسلحو الجماعة حملة اعتقالات طالت 18 من منتسبي جامعة صنعاء، بينهم أساتذة وطلاب وموظفون، وأودعوهم في سجون سرية. وحسب المصادر، وجّهت لهم تهم «الخيانة والعمالة» في محاولة لتبرير استمرار احتجازهم.
مسيرة طلابية نظّمها الحوثيون في جامعة الحديدة (إعلام حوثي)
وأثار هذا التصعيد موجة استياء في الأوساط الأكاديمية، حيث شبّه أكاديميون يوم سيطرة الحوثيين على العاصمة بـ«اليوم الكارثي» الذي أدخل البلاد، وفق تعبيرهم، في أتون حروب متلاحقة وأزمات معيشية وإنسانية غير مسبوقة.
يقول «م.ع»، وهو أستاذ في جامعة صنعاء، لـ«الشرق الأوسط»، إنه وزملاءه تعرضوا لضغوط مباشرة وتهديدات بالفصل الوظيفي والسجن في حال رفض المشاركة. وأشار إلى أن مشاركته في المسيرة جاءت «تحت الإكراه»، لافتاً إلى أن الفعالية تقدمتها قيادات حوثية ألقت خطابات تمجّد «إنجازات الانقلاب» وتتجاهل معاناة ملايين اليمنيين جراء غياب الرواتب وانقطاع الخدمات واتساع رقعة الجوع والفقر.
وطالب الأكاديمي الجماعة بوقف استهداف الجامعات وأعضائها، والتركيز بدلاً من ذلك على تحسين جودة التعليم وصرف رواتب الموظفين، مذكراً بأن الجامعات الحكومية تعاني تراجعاً مريعاً منذ سيطرة الميليشيات عليها.
في السياق ذاته، شهدت محافظة الحديدة حملة مشابهة، إذ أُجبر منتسبو جامعتها وكلياتها والمعاهد الأهلية على المشاركة في مسيرة جماعية جابت شوارع المدينة، رافعين شعارات تمجد زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي وتؤيد ذكرى الانقلاب.
وكشفت مصادر أكاديمية أن مسؤولين حوثيين، من بينهم أحمد البشري (المسؤول عن التعبئة والحشد بالمحافظة) ومحمد الأهدل (المنتحل لصفة رئيس الجامعة)، توعدوا عمداء الكليات ومديري المعاهد بإجراءات عقابية في حال التخلّف عن الحشد.
وأفادت المصادر بأن أجهزة الأمن الحوثية شنت حملة اختطافات استهدفت مدرسين وطلاباً في جامعة الحديدة، إضافة إلى طلاب معاهد مهنية، عقب رفضهم الانصياع للأوامر.
الحوثيون يجبرون منتسبي الجامعات على رفع شعارات تمجد زعيم الجماعة (إكس)
التصعيد الأخير سبقته خطوات أخرى، بينها إجبار طلاب جامعة الحديدة على حضور عروض ومناورات عسكرية تحت ذريعة «إسناد غزة». ووفقاً لمصادر محلية، فإن الهدف الحقيقي من هذه الأنشطة هو تكريس التعبئة الطائفية وتجنيد الطلبة في صفوف الجماعة.
ومنذ الانقلاب، تتبنى الجماعة سياسة ممنهجة لإخضاع الجامعات اليمنية، تشمل إغلاق أقسام دراسية، وفرض مناهج وتعاليم توصف بأنها «طائفية»، إلى جانب إرغام الطلاب على حضور دورات فكرية وقتالية. كما فرضت إدارات موالية لها على رأس الجامعات الحكومية لإحكام السيطرة على القرارات الأكاديمية والإدارية.
وتشير تقارير منظمات محلية ودولية إلى أن قطاع التعليم العالي في اليمن تكبد خسائر فادحة منذ 2014، بفعل سياسات الحوثيين التي أدت إلى هجرة مئات الأكاديميين إلى خارج البلاد، وتعطّل البحث العلمي، فضلاً عن تراجع جودة التعليم.
على الرغم من القبضة الأمنية، تؤكد مصادر أكاديمية يمنية أن حالة التململ في أوساط أعضاء هيئة التدريس والطلاب آخذة في الاتساع، مع تزايد الضغوط المعيشية وانقطاع المرتبات منذ سنوات.
ويرى مراقبون أن حملة الاعتقالات الأخيرة تعكس حجم القلق لدى الجماعة من فقدان السيطرة على الجامعات، التي لا تزال تمثل فضاءات للنقاش الحر والمعارضة.
مسلحون حوثيون في أحد شوارع العاصمة اليمنية صنعاء (إ.ب.أ)
ويقول أحد أساتذة جامعة الحديدة، فضّل عدم ذكر اسمه، إن «الجامعات اليمنية باتت ساحة صراع بين مشروع الدولة المدنية الذي يطمح له الشباب، ومشروع الميليشيا القائم على العسكرة والطائفية».
وفي حين تستمر الانتهاكات بحق الجامعات اليمنية وأعضائها، يحذر أكاديميون من أن مستقبل التعليم العالي في اليمن مهدد أكثر من أي وقت مضى، في ظل تزايد محاولات الحوثيين تحويله إلى أداة دعائية وتعبوية تخدم مشروعهم السياسي والعسكري.