كيف برز دور " البحسني " كأبرز القادة العسكريين الذين ارتبط اسمهم بمرحلة مفصلية في تاريخ حضرموت الحديث ؟
ما أبرز المشاريع التنموية والخدمية التي ركّز البحسني عليها بعد توليه منصب محافظ حضرموت ؟
ما أبرز الإنجازات الأمنية والعسكرية التي تحققت لحضرموت تحت قيادة اللواء البحسني في العام 2016 ؟
ما الأبعاد السياسية والاقتصادية والأمنية للزيادة التاريخية للواء البحسني لحضرموت مطلع 2025 ؟
كيف استطاع البحسني أن يقدم نموذجًا ناجحا لإدارة الأزمات في بيئة صراعية كحضرموت ؟
الدراسة كشفت أن حضرموت في عهد "البحسني" شهدت تحسنًا ملحوظًا في الأمن والتنمية والخدمات ومكافحة الإرهاب
تعد محافظة حضرموت واحدة من أهم المحافظات اليمنية وأكثرها تأثيرًا في المشهد السياسي والاقتصادي للبلاد، نظرًا لموقعها الجغرافي المتميز، وامتلاكها لموارد طبيعية هائلة أبرزها النفط والغاز، إضافة إلى امتدادها الجغرافي الشاسع الذي يمنحها عمقًا استراتيجيًا على المستويين الإقليمي والدولي. غير أن هذه المحافظة، رغم إمكانياتها الكبيرة، عانت لفترات طويلة من التهميش وضعف التنمية وغياب الاستقرار، شأنها شأن بقية المحافظات اليمنية التي عانت من أزمات متلاحقة وحروب متصاعدة.
وقد زادت هذه المعاناة حدة مع اندلاع الحرب في اليمن عام 2015 وما تبعها من انهيار مؤسسات الدولة، وانفلات أمني واسع، مكّن التنظيمات الإرهابية من التمدد والسيطرة على مناطق واسعة، كان أبرزها سيطرة تنظيم القاعدة على مدينة المكلا عاصمة حضرموت في أبريل 2015. هذا الوضع الاستثنائي جعل حضرموت في قلب دائرة الخطر، حيث تحولت إلى مركز تهديد أمني كبير على مستوى اليمن والمنطقة، ما استدعى تحركًا عسكريًا وأمنيًا حاسمًا لاستعادة السيطرة عليها.
في هذه الفترة، برز دور اللواء الركن فرج سالمين البحسني كأحد أبرز القادة العسكريين الذين ارتبط اسمهم بمرحلة مفصلية في تاريخ حضرموت الحديث، تمثلت في تحرير المكلا من قبضة القاعدة في أبريل 2016، ثم قيادته لتأسيس قوات النخبة الحضرمية لتأمين المحافظة. هذا الدور جعله في صدارة المشهدين العسكري والسياسي، ليتم تعيينه محافظًا لحضرموت في يونيو 2017، ثم عضوًا في مجلس القيادة الرئاسي عام 2022، وأخيرًا نائبًا لرئيس المجلس الانتقالي الجنوبي في 2023.
الإطار العام للدراسة :
تزداد أهمية هذه الدراسة في ظل المستجدات الأخيرة التي شهدتها حضرموت بين عامي 2024 و2025، والمتمثلة في تصاعد التوترات السياسية ومطالب بعض المكونات بالحكم الذاتي، وما تبعها من احتجاجات واسعة. وصولًا إلى عودة اللواء البحسني إلى حضرموت مطلع 2025 في زيارة تاريخية حملت أبعادًا سياسية واقتصادية وأمنية.
وتهدف الدراسة إلى تقديم قراءة علمية لواقع حضرموت في هذه المرحلة من خلال استعراض إنجازات البحسني الأمنية والعسكرية، والجهود التنموية والخدمية التي أطلقها، إضافة إلى دوره السياسي على المستويين المحلي والوطني، معتمدة على المنهج الوصفي التحليلي.
حضرموت قبل البحسني: مشهد الانهيار
لفهم طبيعة التحولات التي شهدتها حضرموت، من الضروري العودة إلى الفترة ما قبل 2016، حيث كانت المحافظة تعيش أزمات متشابكة بين انهيار أمني واسع، وتدهور اقتصادي عميق، وضعف البنية التحتية، وتفشي الفساد.
سيطرة القاعدة على المكلا في أبريل 2015 مثّلت ذروة الانهيار، إذ حوّل التنظيم المدينة إلى مركز رئيسي للتطرف، واستولى على الميناء والإيرادات النفطية والجمركية، محققًا عوائد تقدّر بملايين الدولارات سنويًا. وقد انعكس ذلك على حياة المواطنين بانهيار الخدمات الأساسية وتفشي الفقر والمرض.
الأبعاد الأمنية والعسكرية
كان دخول اللواء البحسني نقطة تحول في مسار الأحداث، حيث قاد عملية تحرير المكلا في أبريل 2016 بدعم التحالف العربي، لتبدأ بعدها مرحلة تأسيس قوات النخبة الحضرمية. هذه القوات، التي شكّلت من أبناء حضرموت، أصبحت نموذجًا ناجحًا للأمن المحلي، حيث تولت حماية الموانئ والمنشآت النفطية، وأسهمت في تراجع العمليات الإرهابية.
كما أطلق البحسني عمليات عسكرية نوعية، أبرزها “عملية الفيصل” في فبراير 2018 التي استهدفت وادي المسيني معقل القاعدة، وأسفرت عن نتائج حاسمة. ورغم النجاحات الأمنية في الساحل، ظلت مناطق الوادي تعاني من تحديات بسبب ضعف دور القوات الحكومية هناك.
الأبعاد التنموية والخدمية
إدراكًا منه أن الأمن لا يكتمل دون التنمية، ركّز البحسني بعد توليه منصب المحافظ على مشاريع البنية التحتية، مثل إعادة تأهيل الطرق الدولية والرئيسية، وصيانة الجسور، واستئناف رحلات مطار الريان الدولي. كما أولى ملف الكهرباء أولوية قصوى عبر إنشاء محطات جديدة وتبني خطة لبناء محطات غازية مستدامة.
في قطاع التعليم، أعاد فتح المدارس، ودعم جامعة حضرموت، واهتم بالتعليم الفني والتقني. أما الصحة، فقد شهدت تحسنًا ملحوظًا من خلال إعادة تأهيل المستشفيات وافتتاح مراكز جديدة، والتصدي لجائحة كورونا بإنشاء مراكز عزل وتجهيزات طبية.
أبرز إنجازاته كان التوصل إلى اتفاق يمنح حضرموت نسبة من عائدات النفط الخام، ما مكّن من تمويل المشاريع التنموية، ودفع رواتب الموظفين، وتأسيس “صندوق حضرموت للتنمية”.
الأبعاد السياسية والإدارية :
سياسيًا، انتقل البحسني من قائد عسكري إلى شخصية سياسية بارزة، حيث واجه تحديات في إدارة التوازن بين السلطة المحلية والحكومة المركزية، وبين المطالب الشعبية والتحالف العربي.
أدار الموارد المحلية بفاعلية عبر تعزيز اللامركزية المالية، وأطلق صندوق التنمية كآلية مستقلة بعيدًا عن الفساد. كما تبنى سياسة صارمة لمكافحة الفساد، وأكد على الشفافية في إدارة المشاريع.
وعلى الرغم من التحديات، تمكن من تحقيق مكاسب كبيرة لحضرموت، أبرزها تثبيت حقها في نسبة من عائدات النفط، وهو ما عزز مكانته كأحد الفاعلين الرئيسيين في المشهد السياسي اليمني.
الاستنتاج العام للدراسة
تكشف الدراسة أن حضرموت خلال عهد اللواء الركن فرج سالمين البحسني قد انتقلت من مرحلة الانهيار الأمني وسيطرة التنظيمات الإرهابية إلى مرحلة من الاستقرار النسبي بفضل النجاحات العسكرية لقوات النخبة الحضرمية. كما شهدت المحافظة تحسنًا ملحوظًا في مجالات التنمية والخدمات الأساسية، خصوصًا في الكهرباء والبنية التحتية والتعليم والصحة، مستفيدة من نسبة العائدات النفطية التي حصلت عليها لأول مرة في تاريخها.
سياسيًا، برز البحسني كفاعل وطني وإقليمي، استطاع أن يوازن بين متطلبات السلطة المحلية والتحديات المركزية، وأن يرسخ مفهوم اللامركزية المالية عبر صندوق التنمية. ومع ذلك، فإن حضرموت ما تزال تواجه تحديات كبيرة، خاصة في مناطق الوادي، التي تحتاج إلى تعزيز أمني وتنموي أكبر.
وبناءً على ما سبق، فإن تجربة البحسني في حضرموت تقدم نموذجًا مهمًا لإدارة الأزمات في بيئة صراعية، وتؤكد أن الجمع بين الأمن والتنمية والسياسة هو الطريق الأمثل لتحقيق الاستقرار المستدام في المحافظة.