يظن الكثيرون أن سبب تأخرنا هو عائد إلى عدم وجود المصانع والمعامل وو إلى آخره وهذا غير صحيح فما سبق ذكره هي عوارض وليست أسباب.
لقد تقدمت الأمم منذ القدم وعرب وسط الجزيرة في صحرائهم وعلى ظهور جمالهم يتحركون في داخل جزيرتهم من مكان إلى آخر ويعودون إلى نفس المكان ولم يتغير شيء سوى أن الأباء يموتون والأبناء يسيرون على أثرهم يقومون بنفس الأعمال وبنفس الوسائل ولم يتغير شيء سوى مرور الزمن.
كان البشرية من حول العرب تتقدم وتتطورون وتبني الحضارات وترفد الحضارة بالعلوم و الفلسفة والفن والأدب والعمارة.
سؤال لماذا تقدمت البشرية من حول جزيرة العرب حتى أقرب الحدود منا في العراق ومصر وفارس واليمن( قبل التعريب الثقافي ) بنت الحضارات وهي ملاصقة لجزيرة العرب . إن السبب هو في الأصل ثقافي وعندما أقول ثقافي لا أعني بكلمة ثقافي هي كثرة المعلومات وحفظ التاريخ وهذا مفهوم قاصر لكلمة ثقافة وأنا أعني بكلمة ثقافة معناها الحقيقي والأعمق ألا وهو طريقة الحياة وطريقة التفكير.
وللثقافة التي هي السبب ثلاثة أبعاد سياسي واجتماعي وديني
البعد السياسي .
كيف ينظر العربي للسلطة
إن الإنسان العربي لا يؤمن بالمؤوسسة بل يؤمن بالفرد فشيخ القبيلة هو الآمر الناهي والكل يتجه إليه وكل شيء في القبيلة له فانتقل هذا المفهوم للرئيس الذي أخذ مكان الشيخ لذا لا نجد استمرارية في البنى السياسية لأنها تخضع لإرادة فرد واحد وكلما تغير الرجل وحل مكانه رجل آخر تغيير كل شيء وهناك قوة العلاقات العرقية التي لا تؤمن بالمواهب البشرية ولكنها تؤمن بقرابة الدم التي جعلت الدولة قبيلة تورث المناصب والمراكز للأبناء
إن الثقافة العربية لا تؤمن بالعلم بل تؤمن بالقوة وقد قال الشاعر العربي بكل وضوح مجسدا هذا المفهوم :
حتى رَجَعْتُ وَأقْلامي قَوَائِلُ لي
ألمَجْدُ للسّيفِ لَيسَ المَجدُ للقَلَمِ
أُكْتُبْ بِنَا أبَداً بَعدَ الكِتابِ بِهِ
فإنّمَا نحنُ للأسْيَافِ كالخَدَمِ.
(المتنبي)
فالعربي يمجد القوة ويحتقر المثقف ولذا جاء القرآن معبرا عن هذه الحقيقة بقولة:
الأعراب أشد كفرا ونفاقا .
البعد الاجتماعي.
إن العنصر الأساسي في التقدم والتغيير الاجتماعي هي سنة الاختلاف ولكن العربي لا يؤمن بالمختلف فالمختلف عندنا بين منزلتين هما إما ناقص أو عدو
العربي كي يسمعك لا بد أن تكون مثله مئة بالمئة لذا نحن لا نقبل المختلف ونسير مثل القطيع لنا رأس واحد يفكر والبقية أتباع ولهذا نجد في الموروث الشعبي التغني ببطولات الأفراد الذي هم صناع التاريخ في نظر العربي وبقية أبناء الشعب مجرد أتباع يستلمون الأوامر من الرجل الملهم الذي يجسد مفهوم الشيخ في الذاكرة الجمعية للعربي.لذا تجد مقاومة شديدة وتشوية لكل جديد باعتباره طمسا للقيم الأصيلة
ونحن في بلدنا جزء من هذه الثقافة الجامدة التي تقاوم التغيير بشدة وتراه عدو يحاول هدم القيم التي نؤمن بها ونراها هي أرقى وارفع القيم وأكثرها جمالا
وهناك بعد ثالث هو البعد الديني
فقد جاء الدين ليحررنا من القيم الجاهلية البالية والظالمة وتحكيم العقل والعلم والمنطق وتحويل الحالة السياسية والاجتماعية الجامدة المرتكزةعلى قرابة الدم إلى الحالة الشعبية فقد قال تعالى: وأمرهم شورى بينهم.
واستمر أمر الشورى حتى سيطر بنوأمية على الخلافة فأعادوها قبلية فردية وراثية واعتبار شيخ القبيلة هو كل القبيلةواما البقية مجرد عدد يتبع الشيخ أينما يوجه يتجه.وللتمثيل فقط فقد اجتمع في مجلس معاوية ذات يوم رؤوساء القبائل وكان من ضمن الحضور الأحنف بن قيس التميمي وقد أغلض وشدد وهدد وأرعد أمام معاوية ومعاوية يلاطفه وكانت أخت معاوية واسمها عاتكة بنت سفيان تحب مجالس أخيها فكانت تستمع من خلف ستر فرفعت الستر قليلا لترى من هذا الذي يهدد الخليفة فرأت رجلا قميئا أحنفا (أفشخ) وبعد انفضاض المجلس خرجت إلى أخيها وقالت: كيف سكت على هذا القميء أن يخاطبك بهذه الطريقة فقال: يا عاتكة إن هذه هو الأحنف بن قيس التميمي الذي إذا غضب غضبت له مئة ألف سيف من بني تميم ولا يسألونه لماذا غضب
فقد جاء الدين ليؤسلم العرب ولكن العرب قاموا بتعريب الإسلام ووضعوا له أحاديثا موضوعة كثيرة ولووا أعناق الآيات ليدعموا بها قيمهم وتحويلها إلى إسلام.
مقالات أخرى