كتب : د.علي صالح الربيزي

في الخامس من يونيو 1998م، سجّل التاريخ محطة فارقة في مسيرة النضال الجنوبي، حين ارتقى القائد البطل محمد ثابت الزبيدي شهيدًا في نقطة نقيل الربض الواقعة عند مدخل منطقة زُبيد بمحافظة الضالع. مثّل هذا الحدث لحظة مفصلية في الوعي الجنوبي المقاوم، وأرّخ لبداية فعلية لتحول المقاومة من حالة شعبية كامنة إلى مشروع وطني منظم.

الشهيد محمد ثابت الزبيدي لم يكن مجرد مناضل ميداني، بل يُعدّ من المؤسسين الأوائل للمقاومة الجنوبية، وأحد أبرز الرجال الذين شاركوا في إطلاق ثورة شعب الجنوب التحريرية. انتماؤه المبكر لخيار التحرر الوطني، وإيمانه المطلق بعدالة القضية الجنوبية، شكّلا معالم شخصيته القيادية، وقد جسدها قولاً وفعلاً حتى لحظة استشهاده.

تُعيدنا هذه الذكرى إلى أهمية الرمزية الثورية التي يحملها هذا النوع من التضحيات، إذ إن دماء الشهداء – وفي مقدمتهم الشهيد الزبيدي – لم تكن مجرد ثمن للحرية، بل كانت في جوهرها رافعة معنوية وسياسية أسهمت في إعادة تشكيل الهوية الجنوبية الجمعية على أسس نضالية واضحة، وأطلقت شرارة وعي ثوري جديد ما يزال مستمرًا حتى اليوم.

إن استحضار هذه التضحيات، يُبرز بوضوح أن مرحلة ما بعد استشهاد الزبيدي مثلت نقطة انعطاف استراتيجية في مسار الحركة الجنوبية، حيث بدأ الوعي الشعبي ينحو نحو التنظيم الذاتي، وتكثيف الفعل المقاوم، واستشراف ملامح مشروع سياسي جنوبي مستقل.

في ذكراه، نستحضر دماءً صنعت مجدنا، وعزيمة فجّرت مقاومة، وأرواحًا فتحت أفقًا جديدًا للحرية والاستقلال. وتبقى مسؤوليتنا التاريخية اليوم أن نحوّل هذا الإرث إلى مشروع مؤسسي، يعترف بفضل من ضحوا، ويستكمل المسيرة برؤية وطنية جامعة وشاملة.

 فإن تخليد ذكرى الشهيد محمد ثابت الزبيدي ليس مجرد طقس رمزي، بل هو تأكيد على استمرارية النضال، والتزام بقضية ما تزال حيّة في وجدان أبناء الجنوب، وقضية لن تُختتم صفحاتها إلا باستعادة الدولة الجنوبية المنشودة.

نجدد العهد والوفاء، بأن تظل دماء الشهداء منارة دربنا، وأن لا تذهب تضحياتهم سُدى. وإن الجنوب الذي حلم به محمد ثابت ورفاقه، قادمٌ لا محالة، بدولة حرة مستقلة، يسودها العدل، وتحكمها الإرادة الشعبية.

المجد والخلود لشهدائنا الأبرار… والنصر لقضيتنا العادلة.