بحلول الذكرى الثانية عشرة لثورة 30 يونيو التي اقتلعت «الإخوان» من جذوره، لا يبدو أن التنظيم «الإرهابي» يعيش فقط انكسارًا سياسيًا، بل غربة وجودية شاملة.
فالتنظيم الذي روج لنفسه لعقود كـ«مشروع أمة»، تحول إلى عبء تاريخي، يتنكر له الداخل، وتتجنبه العواصم، وتتنازعه الجبهات، بعد أن افتضحت الوظيفة التي من أجلها كان يساند: أداة مأجورة في مشاريع استعمارية، وأداة ابتزاز مفضوحة في لعبة التوازنات الدولية.
أداة لم تقتلعها فقط ثورة 30 يونيو، بل كشفت هشاشة المشروع بأكمله، ونزعت ورقة التوت عن خطاب التنظيم الأخلاقي، مما أدى إلى تفكك بنيته التنظيمية إلى 3 جبهات، تقاتل اليوم على التسمية والشرعية بين إسطنبول ولندن والقاهرة، فضلًا عن جبهة رابعة تُعرف بتنظيم الإخوان في الداخل.
وما بين منفى وملاحقة وخطاب بائس، تتآكل الجماعة ذاتيًا، في مشهد يبدو أقرب إلى نهايات باردة لحركات انتهت صلاحيتها التاريخية، بعدما فشلت في الاختبار الأهم: الانتماء للوطن، بحسب خبراء استطلعت «العين الإخبارية» آراءهم، أكدوا أن التنظيم يعيش في تيه وشتات وحالة أقرب إلى موت سريري مع استمرار الانقسامات الداخلية الحادة والملاحقات الدولية.
فأين الإخوان بعد 12 عاما؟
يقول النائب طارق الخولي، وكيل لجنة العلاقات الخارجية بمجلس النواب المصري عن تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين، في حديث لـ«العين الإخبارية»، إنه «بعد مرور 12 عامًا على ثورة 30 يونيو، أصبح الإخوان في موضعهم الطبيعي، منبوذين من قبل المجتمع المصري، ومن المحيط الإقليمي، ودول العالم بعد أن أيقن الجميع أن الإخوان المصدر الرئيسي لكل جماعات الإرهاب في العالم».
الأمر نفسه، أشار إليه مجاهد الصميدعي، الخبير الأمني الدولي، والباحث في "المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات"، والذي قال إن تنظيم الإخوان قد تآكل سياسيًا، وتفكك تنظيميًا، وتحوّل من فاعل سياسي إلى مجموعة مشتتة بين منفى وملاحقة وفقدان للثقة الشعبية.
وأوضح في حديث لـ"العين الإخبارية"، أنه «لم يعد للإخوان موطئ قدم داخل الدولة، ولا خطاب مقنع في الخارج»، مؤكدا أنه «حتى الدوائر الغربية التي لطالما كانت تجد فيهم (الإسلام المعتدل)، باتت تنظر إليهم اليوم بريبة، خصوصًا بعد سقوط الأقنعة في سوريا وليبيا وتونس».
وتطرق خبير الأمن الدولي، إلى جهود الدولة المصرية في اقتلاع خطر التنظيم الإخوان، "ما بعد 30 يونيو لم يكن مجرّد إزاحة حكم، بل كان معركة استعادة الدولة المصرية التي خاضت حربًا ثلاثية الأبعاد: الأول: حرب أمنية ضد الإرهاب في سيناء وفي المدن، وثانيا: حرب سياسية لترميم شرعية الدولة داخليًا وخارجيًا، وثالثا: حرب فكرية لتفكيك خطاب التطرف وتجفيف منابعه.
ويؤكد الصميدعي أن ثورة 30 يونيو لم تكن فقط نهاية لحكم جماعة، بل كانت بداية لمرحلة إعادة تعريف الدولة المصرية الحديثة، كدولة مؤسسات، لا دولة جماعات، وما تحقق خلال الـ12 عامًا ليس نهاية الطريق، بل هو تأكيد أن مصر قادرة دائمًا أن تستعيد نفسها، كلما اقترب منها الخطر.
بدوره، قال الدكتور هشام النجار الكاتب الصحفي والخبير في شئون حركات الإسلام السياسي، في حديث خاص لـ"العين الإخبارية"، إن الإخوان باتت بعد مرور 12 عاما على ثورة 30 يونيو، حالة منبوذة على كل المستويات، وأنها فصيل غير وطني يستخدم أداة في تنفيذ مشاريع توسعية استعمارية.
هل لا زال له أثر في الشارع؟
بدوره، قال مجاهد الصميدعي، الخبير الأمني الدولي، إن الخسارة الكبرى التي لحقت بالتنظيم، ليست فقط في الحكم، بل في فقدان الغطاء الأخلاقي والشعبي.
ويضيف الخولي أن ما قامت به مصر على مدار السنوات الماضية، سواء على المستوى الشعبي عبر ثورة الثلاثين من يونيو وإزاحة حكم الجماعة، أو مرورًا بالفترات المريرة في مكافحة الإرهاب، كان له انعكاس كبير على البعد المتعلق بمكافحة التطرف ومواجهة الإرهاب، ليس في مصر فحسب، وإنما نيابة عن العالم بأسره.
وأشار إلى ما وصفه بـ«الدور الهام» في تجديد الخطاب الديني، وما يتم إنجازه في هذا الملف في مواجهة التطرف والأفكار المغلوطة، مؤكدا أن الأمر ليس فقط من خلال المواجهات السياسية والأمنية لحماية الأمن القومي للدولة، وإنما أيضًا من خلال المواجهة الفكرية للتصدي لكل الأفكار المنحرفة واستخدام الدين لتحقيق مكاسب سياسية.
ويتابع: ستظل ثورة الثلاثين من يونيو محفورة في ذاكرة التاريخ، كواحدة من أعظم الثورات التي أزاحت بنظام يُمثّل الفاشية ويُعد أبشع نموذج في استخدام الإرهاب الفكري ومحاولة اختطاف الهوية المصرية.
مشروع «استعماري»؟
وواجهت الدولة المصرية عقب 30 يونيو التي أطاحت بتنظيم الإخوان، عددا من التحديات الخطيرة شملت أعمال عنف وإرهاب، لكن وعلى مدار 12 عاما، نجحت تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي في كسر شوكة الإرهابيين، ودحر الجماعات التكفيرية والإرهابية تماما عبر بناء استراتيجية متكاملة لمكافحة الإرهاب.
يقول الدكتور هشام النجار الكاتب الصحفي والخبير في شئون حركات الإسلام السياسي، إن «الجماعة أثبتت بنفسها للجميع بشكل عملي ما كانت تنفيه عن نفسها في السابق، بادعاء إنها مجرد اتهامات مغرضة من كارهين لها، بعد أن تبين طوال السنوات الأخيرة الماضية أنها فصيل وظيفي يعمل لحساب جهات ومشاريع خارجية سواء دولية أو إقليمية غير عربية».
كما أن التنظيم، والحديث للنجار، مجرد أداة وظيفية يتم استخدامها في مشاريع تلك القوى والأجهزة التفكيكية والاستعمارية والتدميرية بكل تفاصيلها المعلن منها والمخفي، وما خفي منها كان أعظم، لا لشيئ إلا للحفاظ على مصالحها الضيقة، وتسجيل حضورها في مشهد الأحداث بأي شكل كان.
وزاد الكاتب الصحفي بالأهرام، أن الواقع العملي أثبت أن الجماعة فاشلة في السلطة والحكم بعد أن تم اختبارها عمليا، ومع مرور السنوات تبين أنها لا تملك غير إطلاق شعارات فارغة، بعد أن تسببت للعرب والمسلمين بعد السابع من مارس في اكبر نكبة ونكسة في العصر الحديث.
هل انتهى مشروع الإخوان؟
ورغم الضربات المتتالية للإخوان، حذر النجار من أن "مشروع التنظيم لم ينته بعد ما دامت المشاريع الاستعمارية قائمة، والإخوان تقدم نفسها دوما كأداة تحت الطلب لمن يحتاجها سواء للضغط والابتزاز أو للاختراق وصناعة الفوضى أو غيرها من أدوار وظيفية تقوم بها".
ويقول النجار: "كان للدولة المصرية لديها رؤية مستقبلية وسباقة في مكافحة خطر هذا التنظيم، قبل أن يستشري ويستفحل، وقبل أن تكتمل المؤامرة المشاركة فيها كأداة مقابل أجر لعين"
وأكد الخبير السياسي المصري أن "ثورة يونيو كانت وستظل محطة فارقة في تاريخ مصر الحديث كونها أنقذت البلاد، وحمت الأمن القومي المصري والعربي، وحافظت على ما تبقى من قوة ردع ضد المخططات الاستعمارية".